تحذير من تصاعد خطاب الكراهية في الدنمارك
تحذير من تصاعد خطاب الكراهية في الدنمارك
عُرفت الدنمارك تاريخياً بنظامها “الاجتماعي الديمقراطي”، في مجال “دولة الرفاهية” وإعلاء حقوق الإنسان بدستور 1849، المؤسس لديمقراطية راسخة لا تميز بين البشر.
وعلى الرغم من ذلك، شهدت البلاد خلال عقدين تحولات متطرفة، تقوم على بروباغندا شعبوية لاستثناء نحو 350 ألفاً من مواطنيها، من مهاجري إعادة الإعمار نهاية الحرب العالمية الثانية، وبينهم عرب. ويعيش هذه الأيام الجيل الثالث من أبنائهم تحت مطرقة تشدد قومي ينتقص من حقوقهم الدستورية.
تقارير حقوقية محلية صادرة عن المركز الدنماركي لحقوق الإنسان مثلا، وأخرى لمنظمات دولية والأمم المتحدة، ظلت طيلة 6 سنوات ماضية تحذر من مخاطر تنامي التشدد ومن استخدام السياسيين لخطابات عنصرية. واجه اليمين المتطرف التحذيرات تلك بالدعوة إلى “الانسحاب من مواثيق دولية ملزمة”.
وتلاحظ الصحافة الليبرالية في كوبنهاغن أنه منذ ترؤس زعيمة “الاجتماعي الديمقراطي”، ميتا فريدركسن، للحكومة في 2019، تزايدت مجاراتها الشخصية للشعبوية المتطرفة، وتبنيها استخدام لغة “الغيتوهات” و”الأجانب”، لوصف شبان وشابات ولدوا وكبروا في البلاد. ولعل أخطر مطبات فريدركسن في تملق التطرف صمتها على شيوع اتهام “الغيتو (سكان من أصول غير غربية)” بالتسبب بنشر كورونا.
خطاب الكراهية المتنامي يجد ترجمته في نكوص الشركات عن توظيف شباب من أصول مهاجرة، أو منحهم أماكن تدريب لإعداد رسائل تخرجهم. هذا عدا عن أن جرائم الكراهية، وفقاً لأرقام “الدنماركي لحقوق الإنسان”، تتزايد. وباتت الجماعات الفاشية أكثر جرأة باللجوء إلى التهديد بالعنف والقتل، حتى بحق مراسلين أجانب بتهمة “تشويه صورة الدنمارك”.
من بين آخر تجليات انفلات العنصرية طرح حزب “البرجوازية الجديد”، بزعامة بيرنيلا فيرموند، المقلدة للفرنسية مارين لوبان، إلغاء “المادة 266″ من قانون العقوبات على العنصرية، ويعرف محلياً بـ”قانون العنصرية”. وجد المقترح قراءة أولية الأربعاء الماضي، وتحول كرسي الخطابة البرلماني، برعاية رئيسته الشعبوية (من حزب الشعب) بييا كرسغورد، إلى ما يشبه التشكيك بمواطنة مسلمي البلد، بمن فيهم برلمانيون. ويجري ذلك على الرغم من التحذيرات الأمنية وخبراء علوم الاجتماع من الانعكاسات الخطيرة لإشاعة أجواء تشكيك وإشعار الناس أنهم مرفوضون بسبب خلفياتهم.
إضافة إلى كل ما تقدم تتعرض هذه الأيام رئيسة الوزراء فريدركسن، لانتقادات لاذعة بسبب تقاربها مع اليمين المتشدد برفض استعادة 19 من مواطنيها الأطفال والقصر من معسكرات الاعتقال الكردية في سورية، على الرغم من توصيات أمنية ومن متخصصي علوم النفس والاجتماع، واتهامها من ساسة مخضرمين بنزع روح “الاجتماعية الديمقراطية”، بانتهاج سياسة عقاب جماعي بحق أطفال لا ذنب لهم فيما اقترفه أهاليهم بالتحاقهم بـ”داعش”.
وما يثير في المشهد الشعبوي المتطرف، الآخذ بالساحة السياسة نحو الابتعاد عن الوسطية إلى سياسة الأجنحة، أن أقطابه لا يخفون إعجابهم بأنظمة عربية ديكتاتورية في نفس الوقت الذي ينظرون فيه إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بنوع من “القداسة”.
فثمة جناح سياسي من حزبي “الشعب” و”البرجوازية” إلى جانب السياسي المتطرف والعنصري راسموس بالودان، المعروف باستفزاز المسلمين وعموم المهاجرين، يمجد من ناحية قمع رئيس النظام السوري بشار الأسد لشعبه ويضغط في الأخرى لإعادة السوريين من الدنمارك إليه.
ولا تخلو خطابات وصحافة هذا المعسكر من تناقضات مثل أن الديمقراطية لا تصلح للعرب ويصعب دمجهم في المجتمع، وبنفس الوقت يمجدون الأنظمة الديكتاتورية العربية و”ديمقراطية إسرائيل”، والاحتفاء كثيراً ببنيامين نتنياهو.
وواجهت رئيسة الوزراء ميتا فريدركسن انتقادات حقوقية ويسارية بسبب تحولها إلى تحالف يميني متشدد مع النمسا وتل أبيب، هذا إلى جانب استغراب برلمانيين من صمتها على تصريح وزير عدلها من حزبها، نيك هيكروب، المثير في اعتباره أن “قليلا من التعبير العنصري يساهم في منع العنف”، على الرغم من أن المركز الدنماركي لحقوق الإنسان يثبت بالأرقام أن “العكس هو الصحيح، فكلما جرى التسامح مع العنصرية تنامت جرائم الكراهية في الدنمارك”.